الصحة كموضوع من موضوعات البحث في علم النفس
   تحديد مفهوم الصحة
منذ حوالي العقدين ظهر تطور في علم النفس، احتلت فيه الصحة مكاناً بارزاً،ونمى بسرعة إلى علم أطلقت عليه تسمية "علم نفس الصحة Healthpsychology 
(Schwarzer,1990,1997).
وأول من عرف وحدد علم نفس الصحة كان ماتراتسو (Materazzo.1984)   ، حيث حددها بأنها الإسهامات العلمية لعلم النفس من أجل تنمية الصحة والحفاظ عليها والوقاية من الأمراض ومعالجتها. ويسهم علم نفس الصحة في تحديد أنماط السلوك الخطرة، وتحديد أسباب الاضطرابات في الصحة وتشخيصها وفي إعادة التأهيل وتحسين نظام الإمداد الصحي. بالإضافة إلى ذلك يهتم علم نفس الصحة بتحليل إمكانات التأثير بأنماط السلوك المتعلقة بالصحة للإنسان على المستويات الفردية والجماعية وبالأسس الاجتماعية النفسية للأمراض والتغلب عليها.
ويعرِّف شفارتسر (1990) علم نفس الصحة بأنه عبارة عن تخصص عرضي ونوعي لعلم النفس يقدم إسهامات علمية وتربوية في المجالات الستة التالية:
1.    تنمية الصحة والحفاظ عليها.
2.    الوقاية ومعالجة الأمراض.
3.    تحديد أنماط السلوك الخطرة.
4.    تحديد أسباب اضطرابات الصحة وتشخيصها.
5.    إعادة التأهيل
6.    تحسين نظام الإمداد الصحي.
ويقوم هذا العلم بتجميع المعارف المتعلقة بالصحة وطرق البحث المناسبة من التخصصات النفسية المختلفة والعلوم الجارة أو القريبة في علم صحي نفسي. ويعود الفضل في نشوء هذا المفهوم إلى مفهوم الصحة المتقدم الذي صاغته منظمة الصحة العالمية للصحة باعتبارها حالة أكثر وأبعد من مجرد الإحساس بالصحة وغياب المرض.
ويعرف أودرس وآخرين (Udris et al, 1992) الصحة بأنها ليست عبارة عن حالة ثابتة وإنما توازن ديناميكي بين الموارد الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية وآليات الحماية والدفاع للعضوية من جهة وبين التأثيرات الكامنة المسببة للمرض للمحيط الفيزيائي والبيولوجي والاجتماعي من جهة أخرى.  وبالتالي يفترض أن يقوم الفرد دائماً ببناء وتحقيق صحته، سواء كان الأمر بمعنى الدفاع المناعي أم بمعنى التلاؤم مع التغيرات الهادفة لظروف المحيط.
فالصحة وفق هذا التعريف عبارة عن مفهوم منظومي وسيروري وعلائقي، يصنف ضمن نموذج تكاملي من المتطلبات والموارد. و تركز هذه الرؤية على مظهر الموارد، أي على دور عوامل الحماية في الشخصية التي ينبغي تنميتها وتدعيمها، وعلى مهارات وقدرات النمو وعلى الطبيعة الممكنة أو الكامنة للصحة.
وهذا التطور السريع في علم نفس الصحة قاد إلى تطوير كثير من البرامج الوقائية الجديدة ذات القيمة العملية.
وقد حل تعريف الصحة المذكور أعلاه الذي يقوم على مفهوم مقارب للصحة ويستند إلى الكفاءة الفردية محل تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة في عام 1946، التي تعرف الصحة على أنها حالة من الإحساس الجسدي والنفسي والاجتماعي التام، وليست مجرد غياب المرض. حيث يمثل هذا المفهوم حالة مثالية، تقاس الصحة من خلاله بمقدار ما يستطيع الفرد الاقتراب من هذه الحالة المثالية.
وتهدف منظمة الصحة العالمية إلى جعل الناس قادرين على الاستغلال الكامل لكفاياتهم الفيزيائية والذهنية والانفعالية من أجل بناء حياة منتجة اجتماعياً واقتصادياً والتغلب على العوامل المسببة للضرر في الصحة و الأمراض على نحو العوامل الناجمة عن ظروف العمل والحياة التقنية والطبيعية والاجتماعية والثقافية.
ويعتبر النموذج القائم على مفهوم مقارب للصحة الذي طرحه أنتكوفسكي (ontkowsky,1979,1987) للنقاش ردة على التصورات المرضية المنشأ أو القائمة على المرض.  حيث لم يعد السؤال يتمحور حول أسباب المرض فقط على نحو "هل يقود العمل إلى المرض؟" وإنما يطرح السؤال عن أسباب الصحة على نحو "هل يحافظ العمل على الصحة؟"، أو "لماذا الناس الأصحاء أصحاء؟".
ووفق هذا التحديد لم تعد الصحة تفهم على أنها حالة من الإحساس المثالي والمتجانس المطلق وإنما هي كفاءة تصرفية و اجتماعية وانفعالية – معرفية وجسدية للإنسان في التغلب على المتطلبات.

ويشير كل من إيربين فرانسكوفايك و فينتسل (Erben, Franzkowiak & Wenzel, 1986) في النقاش العلمي لمفهوم الصحة إلى ثلاثة مبادئ تفسير:
-    تعتبر الصحة حالة موضوعية قابلة للاختبار الطبي البيولوجي.
-    يمكن اعتبار الصحة بأنها التوافق الأمثل الممكن مع متطلبات المحيط.
-    كما ويمكن اعتبارها حدثاً سيرورياً لتحقيق الذات على شكل التعديل الهادف والفعال للبيئة.
من ناحية أخرى ينظر للصحة على أنها حالة من التوازن الواجب تحقيقها في كل لحظة من لحظات الحياة. إنها النتيجة الراهنة لبناء كفايات التصرف والحفاظ عليها التي يمارسها الإنسان نفسه (Hurrelmann, 1988)
وينظر للصحة في المبادئ النظرية الحديثة إلى أنها حالة فردية من الإحساس بالعافية يكون فيها الفرد قادراً على تحقيق التوازن بطريقة مناسبة بين المتطلبات الجسدية الداخلية و المتطلبات الخارجية للبيئة. ويرى كل من شرودر وشويش (Schroeder & Schech, 1990) الصحة من منظور التوازن المُثبِّت للمنظومة المُحقق دائماً للتناقضات في علاقة الإنسان والمحيط. وتعبر الصحة عن نوعية تنظيم العلاقة المتناقضة بين الفرد والمحيط.
ويصف أندرسون (Anderson,1995) الصحة في خمسة نقاط:
1-   كنتاج ونتيجة.
2-   كطاقة كامنة (Capacity) من أجل تحقيق الأهداف المرجوة أو للقيام بوظائف معينة.
3-  كسيرورة، حيث تمثل الصحة ظاهرة ديناميكية متغيرة باستمرار.
4-  كشيء يعيشه الفرد.
5-  كصفة تميز الفرد ككل أو اللياقة الجسدية.
والمظهر الحاسم للصحة هو الشعور الشخصي للإحساس بالعافية والسعادة والسرور أو بتعبير آخر هي ليست مجرد الحالة الموضوعية وإنما الحالة الشخصية التي تتجلى فيها القيم الشخصية والثقافية للفرد.
ويعكس مفهوم الصحة التأثير المتبادل لعدد كبير من العوامل الاجتماعية والنفسية والمحيطية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Vital Information About A Mona Lisa Touch Los Angeles Gynecologist

How Laser Tag Arenas Can Be Found

Surgical Instruments In Medical Supply Store Bay Shore NY